فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات [46- 49]:

قوله تعالى: {وَلَا تجَادلوا أَهْلَ الْكتَاب إلا بالتي هيَ أَحْسَن إلا الذينَ ظَلَموا منْهمْ وَقولوا آمَنا بالذي أنْزلَ إلَيْنَا وَأنْزلَ إلَيْكمْ وَإلَهنَا وَإلَهكمْ وَاحد وَنَحْن لَه مسْلمونَ (46) وَكَذَلكَ أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكتَابَ فَالذينَ آتَيْنَاهم الْكتَابَ يؤْمنونَ به وَمنْ هَؤلَاء مَنْ يؤْمن به وَمَا يَجْحَد بآيَاتنَا إلا الْكَافرونَ (47) وَمَا كنْتَ تَتْلو منْ قَبْله منْ كتَابٍ وَلَا تَخطه بيَمينكَ إذًا لَارْتَابَ الْمبْطلونَ (48) بَلْ هوَ آيَات بَينَات في صدور الذينَ أوتوا الْعلْمَ وَمَا يَجْحَد بآيَاتنَا إلا الظالمونَ (49)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انتهى الكلام إلى روح الدين وسر اليقين مما لا يعلمه حق علمه إلا العلماء بالكتب السماوية والأخبار الإلهية، وكان العالم يقدر على إيراد الشكوك وترويج الشبه، فربما أضل بالشبهة الواحدة النيام من الناس، بما له عندهم من القبول، وبما للنفوس من النزوع إلى الأباطيل، وبما للشيطان في ذلك من التزيين، وكان الجدال يورث الإحن، ويفتح أبواب المحن، فيحمل على الضلال، قال تعالى عاطفًا على {اتل} مخاطبًا لمن ختم الآية بخطابهم تنزيهًا لمقامه صلى الله عليه وسلم عن المواجهة بمثل ذلك تنبيهًا على أنه لا يصوب همته الشريفة إلى مثل ذلك، لأنه ليس في طبعه المجادلة، والمماراة والمغالبة: {ولا تجادلوا أهل الكتاب} أي اليهود والنصارى ظنًا منكم أن الجدال ينفع الدين، أو يزيد في اليقين، أو يرد أحدًا عن ضلال مبين {إلا بالتي} أي بالمجادلة التي {هي أحسن} أي بتلاوة الوحي الذي أمرنا راس العابدين بإدامة تلاوته فقط، وهذا كما تقدم عند قوله تعالى في سبحان: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء: 53].
ولما كان كل من جادل منهم في القرآن ظالمًا، كان من الواضح أن المراد بمن استثنى في قوله تعالى: {إلا الذين ظلموا منهم} أي تجاوزوا في الظلم بنفي صحة القرآن وإنكار إعجازه مثلًا وأن يكون على أساليب الكتب المتقدمة، أو مصدقًا لشيء منها، أو بقولهم {ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91] ونحو هذا من افترائهم، فإن هؤلاء يباح جدالهم ولو أدى إلى جلادهم بالسيف، فإن الدين يعلو ولا يعلى عليه.
ولما نهى عن موجب الخلاف، أمر بالاستعطاف، فقال: {وقولوا آمنا} أي أوقعنا الإيمان {بالذي أنزل إلينا} أي من هذا الكتاب المعجز {وأنزل إليكم} من كتبكم، يعني في أن أصله حق وإن كان قد نسخ منه ما نسخ، وما حدثوكم به من شيء ليس عندكم ما يصدقه ولا ما يكذبه فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإن هذا أدعى إلى الإنصاف، وأنفى للخلاف.
ولما لم يكن هذا جامعًا للفريقين، أتبعه بما يجمعهما فقال: {وإلهنا وإلهكم} ولما كان من المعلوم قطعًا أن المراد به الله، لأن المسلمين لا يعبدون غيره، وكان جميع الفرق مقرين بالإلهية ولو بنوع إقرار لم تدع حاجة إلى أن يقول: {إله} كما في بقية الآيات فقال: {واحد} إلى لا إله لنا غيره وإن ادعى بعضكم عزيرًا والمسيح {ونحن له} خاصة {مسلمون} أي خاضعون منقادون أتم انقياد فيما يأمرنا به بعد الأصول من الفروع سواء كانت موافقة لفروعكم كالتوجه بالصلاة إلى بيت المقدس، أو ناسخة كالتوجه إلى الكعبة، ولا نتخذ الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله لنأخذ ما يشرعونه لنا مخالفًا لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فنكون حينئذ قد خضعنا لهم وتكبرنا عليه فأوقعنا الإسلام في غير موضعه ظلمًا.
ولما كان التقدير تعليلًا للأمر بهذا القول: إنا أنزلنا كتبهم إلى رسلهم، عطف عليه قوله مخاطبًا للرأس تخصيصًا له لئلا يتطرق لمتعنت طعن عموم أو اتهام في المنزل عليه: {وكذلك} أي ومثل ذلك الإنزال الذي أنزلناه إلى أنبيائهم {أنزلنا إليك الكتاب} أي هذا القرآن الذي هو الكتاب في الحقيقة، لا كتاب غيره في علو كماله، في نظمه ومقاله، مصدقًا لما بين يديه: {فالذين} أي فتسبب عن إنزالنا له على هذا المنهاج أن الذين {آتيناهم} أي إيتاءًا يليق بعظمتنا، فصاروا يعرفون الحق من الباطل {الكتاب} أي من قبل {يؤمنون به} أي بهذا الكتاب حقيقة كعبد الله بن سلام ومخيريق رضي الله عنهما، أو مجازًا بالمعرفة به مع الكفر كحيي بن أخطب وخلق كثير منهم {ومن هؤلاء} أي العرب {من يؤمن به} أس كذلك في الحقيقة والمجاز في المعرفة بالباطن بأنه حق لما أقامه من البرهان على ذلك بعجزهم عن معارضته مع الكفر به، وأدل دليل على ما أردته من الحقيقة والمجاز قوله: {وما يجحد} أي ينكر من الفريقين بعد المعرفة، قال البغوي: قال قتادة: الجحود إنما يكون بعد المعرفة.
{بآياتنا} التي حازت أقصى غايات العظمة حتى استحقت الإضافة إلينا {إلا الكافرون} أي العريقون في ستر المعارف بعد ظهورها طمعًا في إطفاء نورها.
ولما أشار إلى أن المنكر لأصل الوحي متوغل في الكفر، دل على ذلك بحال المنزل إليه صلى الله عليه وسلم فقال مسليًا له: {وما} أي أنزلناه إليك والحال أنك ما {كنت تتلوا} أي تقرأ مواصلًا مواظبًا في وقت ما.
ولما كان المراد نفي التلاوة عن كثير الزمن الماضي وقليله، أدخل الجار فقال: {من قبله} أي هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك؛ وأكد استغراق الكتب فقال: {من كتاب} أصلًا {ولا تخطه} أي تجدد وتلازم خطه؛ وصور الخط وأكده بقوله: {بيمينك} أي التي هي أقوى الجارحتين، وعبر بذلك إشارة إلى أنه لا تحدث الريبة في أمره لعاقل إلا بالمواظبة لمثل ذلك مواظبة قوية ينشأ عنها ملكة، فكيف إذا لم يحصل أصل الفعل، ولذلك قال: {إذًا} أي إذ لو كان شيء من هذه المواظبة في التلاوة أو الخط التي يحصل بها الدربة المورثة للملكة {لارتاب} أي لساغ أن تكلف أنفسهم لدخول في الريب أي الشك {المبطلون} أي هؤلاء الذين ينكرون الوحي إليك من أهل الكتاب ومن العرب، ويقولون: هو سجع وكهانة وشعر وأساطير الأولين، العريقون في وصف الإبطال، أي الدخول في الباطل، فكانوا يجدون مطعنًا، فتقول العرب: لعله أخذه من كتب الأقدمين، ويقول الكتابيون: المبشر به عندنا أمي.
ولكنه لم يكن شيء من قراءة ولا خط كما هو معروف من حالك فضلًا عن المواظبة لشيء منهما، فلا ريبة في صدقك في نسبته إلى الله تعالى، وإذا انتفت الريبة من أصلها صح نفي ما عندهم منها، لأنه لما لم يكن لهم في الواقع شبهة، عدت ريبتهم عدمًا، وسموا مبطلين على تقدير هذه الشبهة، لقيام بقية المعجزات القاطعة بالرسالة، القاضية بالصدق، كما قضت بصدق أنبيائهم مع أنهم يكتبون ويقرؤون، وكتبهم لم تنزل للإعجاز، فصح أنهم يلزمهم الاتصاف بالإبطال بالارتياب على كل تقدير من تقديري الكتابة والقرءة وعدمهما، لأن العمدة على المعجزات.
ولما كان التقدير: ولكنهم لا ريبة لهم أصلًا ولا شبهة، لقولهم: إنه باطل، قال: {بل هو} أي القرآن الذي جئت به وارتابوا فيه فكانوا مبطلين لذلك على كل تقدير {آيات} أي دلالات {بينات} أي واضحات جدًا في الدلالة على صدقك {في صدور الذين} ولما كان المقصود المبالغة في تعظيم العلم، بني للمفعول، أظهر ما كان أصله الإضمار فقال: {أوتوا العلم} دلالة على أنه العلم الكامل النافع، فلا يقدر أحد على تحريف شيء منه لبيان الحق لديهم، وفي ذلك إشارة إلى أن خفاءه عن غيرهم لا أثر له، ولما كان المراد بالعلم النافع، قال إشارة إلى أنه في صدور غيرهم عريًا عن النفع: {وما يجحد} وكان الأصل: به، ولكنه أشار إلى عظمته فقال: {بآياتنا} أي ينكرها بعد المعرفة على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا والبيان الذي لا يجحده أحد {إلا الظالمون} أي الراسخون في الظلم الذي لا ينتفعون بنورهم في وضع كل شيء في محله، بل هم في وضع الأشياء في غير محلها كالماشي في الظلام الذي تأثر عن وصفهم أولًا بالكفر الذي هو تغطية أنوار العقول. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ما يدعون} بياء الغيبة: أبو عمرو وسهل ويعقوب وعاصم غير الأعشى والبرجمي. الباقون: بتاء الخطاب {آية} على التوحيد: ابن كثير وعاصم سوى حفص والمفضل وحمزة وعلي غير قتيبة وخلف لنفسه. {ويقول} بالياء: نافع وعاصم وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بالنون {يا عبادي الذين} بسكون الياء: أبو عمرو وسهل ويعقوب وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بفتح الياء والوقف للجميع بالياء لا غير {ارضي} بفتح الياء ابن عامر {يرجعون} بضم الياء التحتانية وفتح الجيم: يحيى وهشام {ترجعون} بفتح التاء الفوقانية وكسر الجيم. الباقون: بضم التاء الفوقانية وفتح الجيم {لنثوينهم} بسكون الثاء المثلثة: حمزة وعلي وخلف. والآخرون: بفتح الياء التحتانية الموحدة. وتشديد الواو {وليتمتعوا} بسكون اللام: ابن كثير وقالون وحمزة وعلي وخلف {سبلنا} بسكون الباء: أبو عمرو.

.الوقوف:

{من شيء} ط {الحكيم} o {للناس} ط لاختلاف الجملتين والعدول عن العموم إلى الخصوص {العالمون} o {بالحق} o {للمؤمنين} o {الصلاة} ط {والمنكر} ط {أكبر} ط {ما تصنعون} o {مسلمون} o {إليك الكتاب} ط {يؤمنون به} ج فصلًا بين حال الفريقين مع اتفاق الجملتين {يؤمن به} ط {الكافرون} o {المبطلون} o {العلم} ط {الظالمون} o {من ربه} ط {عند الله} ط {مبين} o {عليهم} ط {يؤمنون} o {شهيدًا} ج لأن ما بعده يصلح وصفًا واستئنافًا {والأرض} {بالله} لا لأن ما بعده خبر {الخاسرون} o {بالعذاب} ط {العذاب} ط {لا يشعرون} o {بالعذاب} ط {بالكافرين} o لا لأن {يوم} ظرف {المحيطة} {تعملون} o {فاعبدون} ط {ترجعون} o {خالدين فيها} ط {العاملين} قف بناء على أن التقدير هم الذين أو أعني الذين {يتوكلون} o {رزقها} ق قد قيل: والوصل أولى لأنه وصف آخر لدابة {وإياكم} ج لاحتمال الاستئناف والوصل أولى ليكون حالًا متممًا للمعنى {العليم} o {ليقولن الله} لا للاستفهام مع الفاء {يؤفكون} o {ويقدر له} ط {عليم} o {ليقولن الله} ط {الحمد لله} ط لتمام المقول {لا يعقلون} o {ولعب} ط {الحيوان} ط لأن الشرط غير معلق {يعلمون} o {الذين} o {يشركون} لا لتعلق لام كي ومن جعلها لام أمر تهديد وقف عليه {آتيناهم} ط لمن قرأ: {وليتمتعوا} بالجزم على استئناف الأمر، ومن جعل لام {ليكفروا} للأمر عطف هذه عليها فلم يقف {وليتمتعوا} لا لاستئناف التهديد {يعلمون} o {من حولهم} ط {يكفرون} o {جاءه} ط {الكافرين} o {سبلنا} ط {المحسنين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَا تجَادلوا أَهْلَ الْكتَاب إلا بالتي هيَ أَحْسَن إلا الذينَ ظَلَموا منْهمْ}.
لما بين الله طريقة إرشاد المشركين ونفع من انتفع وحصل اليأس ممن امتنع بين طريقة إرشاد أهل الكتاب فقال: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إلا بالتى هي أَحْسَن} قال بعض المفسرين المراد منه لا تجادلوهم بالسيف، وإن لم يؤمنوا إلا إذا ظلموا وحاربوا، أي إذا ظلموا زائدًا على كفرهم، وفيه معنى ألطف منه وهو أن المشرك جاء بالمنكر على ما بيناه فكان اللائق أن يجادل بالأخشن ويبالغ في تهجين مذهبه وتوهين شبهه، ولهذا قال تعالى في حقهم {صم بكْم عمْى} [البقرة: 18] وقال: {لَهمْ أَعْين لا يبْصرونَ بهَا ولهم آذان لا يسمعون بها} [الأعراف: 179] إلى غير ذلك.
وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب الضلال آباؤهم، بخلاف المشرك، ثم على هذا فقوله: {إلا الذين ظَلَموا} تبيين له حسن آخر، وهو أن يكون المراد إلا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد لله والقول بثالث ثلاثة فإنهم ضاهوهم في القول المنكر فهم الظالمون، لأن الشرك ظلم عظيم، فيجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم، ثم إنه تعالى بين ذلك الأحسن فقدم محاسنهم بقوله: {وَقولوا ءامَنا بالذى أنزلَ إلَيْنَا وَأنزلَ إلَيْكمْ وإلهنا وإلهكم وَاحد وَنَحْن لَه مسْلمونَ} فيلزمنا اتباع ما قاله لكنه بين رسالتي في كتبكم فهو دليل مضيء، ثم بعد ذلك ذكر دليلًا قياسيًا فقال: {وَكَذَلكَ أَنزَلْنَا إلَيْكَ الكتاب} يعني كما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا عليك وهذا قياس، ثم قال: {فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤْمنونَ به} لوجود النص ومن هؤلاء كذلك، واختلف المفسرون فقال بعضهم: المراد بالذين آتيناهم الكتاب من آمن بنبينا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره وبقوله: {وَمنْ هَؤلاء} أي من أهل مكة وقال بعضهم: المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الذين سبقوا محمدًا صلى الله عليه وسلم زمانًا من أهل الكتاب، ومن هؤلاء الذين هم في زمان محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وهذا أقرب، فإن قوله: {هَؤلاء} صرفه إلى أهل الكتاب أولى، لأن الكلام فيهم ولا ذكر للمشركين ههنا، إذ كان هذا الكلام بعد الفراغ من ذكرهم والإعراض عنهم لإصرارهم على الكفر، وهاهنا وجه آخر أولى وأقرب إلى العقل والنقل، وأقرب إلى الأحسن من الجدال المأمور به، وهو أن نقول المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الأنبياء وبقوله: {وَمنْ هَؤلاء} أي من أهل الكتاب وهو أقرب، لأن الذين آتاهم الكتاب في الحقيقة هم الأنبياء، فإن الله ما آتى الكتاب إلا للأنبياء، كما قال تعالى: {أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب} [الأنعام: 89] وقال: {وَءاتَيْنَا دَاوود زَبورًا} [النساء: 163] وقال: {وَءاتَاني الكتاب} [مريم: 30] وإذا حملنا الكلام على هذا لا يدخله التخصيص، لأن كل الأنبياء آمنوا بكل الأنبياء، وإذا قلنا بما قالوا به يكون المراد من الذين آتيناهم الكتاب عبد الله بن سلام واثنين أو ثلاثة معه أو عددًا قليلًا، ويكون المراد بقوله: {وَمنْ هَؤلاء} غير المذكورين، وعلى ما ذكرنا يكون مخرج الكلام كأنه قسم القوم قسمين أحدهما المشركين وتكلم فيهم وفرغ منهم والثاني أهل الكتاب وهو بعد في بيان أمرهم، والوقت وقت جريان ذكرهم، فإذا قال هؤلاء يكون منصرفًا إلى أهل الكتاب الذين هم في وصفهم، وإذا قال أولئك يكون منصرفًا إلى المشركين الذين سبق ذكرهم وتحقق أمرهم، وعلى هذا التفسير يكون الجدال على أحسن الوجوه، وذلك لأن الخلاف في الأنبياء والأئمة قريب من الخلاف في فضيلة الرؤساء والملوك، فإذا اختلف حزبان في فضيلة ملكين أو رئيسين، وأدى الاختلاف إلى الاقتتال يكون أقوى كلام يصلح بينهم أن يقال لهم هذان الملكان متوافقان متصادقان، فلا معنى لنزاعكم فكذلك هاهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم نحن آمنا بالأنبياء وهم آمنوا بي فلا معنى لتعصبكم لهم وكذلك أكابركم وعلماؤكم آمنوا، ثم قال تعالى: {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون} تنفيرًا لهم عما هم عليه، يعني أنكم آمنتم بكل شيء، وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة، إلا هذه المسألة الواحدة، وبإنكارها تلتحقون بهم وتبطلون مزاياكم، فإن الجاحد بآية يكون كافرًا.